الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا،وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا.
والصلاة والسلام على من بعثه ربه هاديا ومبشرا ونذيرا، وداعيا على الله بإذنه وسراجا منيرا، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
ان نعم الله على عباده جسيمه وآلاءه عليهم عظيمه فكم من معروفا أرساه وكم من فضل اسداه
أمر الله تعالى عباده بشكره والاعتراف بفضله، قال سبحانهفَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) البقر 152 وقال (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) لقمان 14
وأخبر سبحانه أنه لا يعذب الشاكرين من عباده فقال سبحانه مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً ) النساء 147
وقسّم الله الناس إلى شكور وكفور، فأبغض الأشياء إليه الكفر وأهله قال تعالى (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) الدهر 3 وقال (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْر َوَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) الزمر 7
وأطلق سبحانه جزاء الشاكرين إطلاقاً، وجعله عليه سبحانه فقال عز وجل (وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِين) ال عمران 144 بل واعدهم بالزيادة بقوله (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) ابراهيم 7
ولقد اقسم ابليس على ان يجعل الناس يكفر النعم فقال ( ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ) الأعراف17
وأخبر سبحانه أن الشاكرين هم أهل عبادته، وأن من لم يشكره لا يكون من أهل عبادته، فقال (وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) البقرة 172
وكان الشكر خلقًا لازمًا لأنبياء الله -صلوات الله عليهم-، يقول الله -تعالى- عن إبراهيم -عليه السلام-: (إن إبراهيم كان أمة قانتًا لله حنيفًا ولم يك من المشركين. شاكرًا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم )النحل: 120-121
ووصف الله -عز وجل- نوحًا عليه السلام بأنه شاكر، فقال:{ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدًا شكورًا}الإسراء: 3 وقال الله تعالى عن سليمان -عليه السلام-: {قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم} النمل: 40
وقال (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ [ النمل:19
وقال يوسف ( ذالك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن كثر الناس لا يشكرون) وقال الله لموسى ( قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) الاعراف 144 وقد قال لنبيه ومصطفاه (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) الزمر 66 وتحكي السيدة عائشة -رضي الله عنها- أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل، ويصلي لله رب العالمين حتى تتشقق قدماه من طول الصلاة والقيام؛ فتقول له: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فيرد عليها النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: (أفلا أكون عبدًا شَكُورًا ( متفق عليه
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير الشكر لربه، وقد علَّمنا أن نقول بعد كل صلاة: (اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)أبو داود والنسائي (
وكان يعلمونا اذا اصبح احدنا ان يقول ما رواه عبد الله بن غنام البياض الصحابي رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ ) وقد ذم الله من لا يشكر نعمه فقال سبحانه : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ } النمل73 وقال تعالى : { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } سبأ13قال تعالى : { إن الإنسان لربه لكنود }قال ابن عباس: لكفور جحود لنعم الله تعالى. وقال الكلبي: هو بلسان ربيعة ومضر الكفور وبلسان كندة وحضرموت العاصي. وقال الحسن: هو الذي يعدّ المصائب وينسى النعم وقال أبو عبيدة: هو قليل الخير والأرض الكنود التي لا تنبت شيئاً، وفي الحديث عن أبي امامة هو الذي يأكل وحده ويمنع رفده ويضرب عبده. وقال الفضيل بن عياض: الكنود الذي أنسته الخصلة الواحدة من الإساءة الخصال الكثيرة منالإحسان، والشكور الذي أنسته الخصلة الواحدة من الإحسان الخصال الكثيرة من الإساءة.
جاء رجل إلى يونس بن عبيد، يشكو ضيق حاله فقال له يونس: أيسرك ببصرك هذا الذي تبصر به مائة ألف درهم؟قال: لاقال: فبيدك مائة ألف؟!قال الرجل: لاقال: فبرجليك؟! قال الرجل: لا! قال: فذكره نعم الله عز وجل.فقال يونس: أرى عندك مئين الألوف، وأنت تشكو الحاجة؟!
اخي المسلم: هذا هو طرف من نعم الله تعالى على خلقه نبه إليها هذا الإمام هذا الرجل الذي جاءه يشكو إليه الحاجة، وقد غاب عنه ما هو فيه من النعمة!
وهذا حال الكثيرين ممن قصر فهمهم عند إدراك حقيقة نعم الله تعالى.
وشكر النعم يتم بثلاثة أمور :
قال الإمام إبن رجب: ( والشكر بالقلب واللسان والجوارح)
1/ شكر القلب بالعلم انه منه سبحانه (وما بكم من نعمة فمن الله ) ولا يكون كفرعون عندما قال{يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} الزخرف: 51 او كما قال قارون {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} القصص: 78
2/ شكر اللسان بالاعتراف والثناء بها قال تعالى( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ )الضحى وكان عمر بن عبدالعزيز يقول في دعائه: ( اللهم إني أعوذ بك أن أبدل نعمتك كفراً، أو أن أكفرها بعد معرفتها، أو أنساها فلا أثني بها) وقال فضيل: ( كان يقال: من شكر النعمة التحدّث بها ). وجلس ليلة هو وابن عيينة يتذاكران النعم إلى الصباح
3/ شكر الجوارح وذالك بان يستعين على النعم بطاعة الله قال تعالى ( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرا)ً قيل أن عددُهم ما يقاربُ ثلاثينَ ألفا، وهم الملوكُ في بني إسرائيل، فيهم الملكُ كابرا عن كابر ومنهم سليمان ابن داود، فجمعَهم أعماما وأخوالا وأبناءً وأقاربَ حتى ملئوا الُشرفاتَ في بيت المقدس، فقال داودُ وهو يبكي: يا آل داود إن اللهَ أنعم علينا نعما ظاهرةً وباطنة، فعليكم بطاعةِ الله، فواللهِ إن لم تطيعوه ليسلبنَه اللهُ منكم. قالوا ماذا نفعل؟ قال قسموا ساعةَ الليلِ والنهار فليكن منكم في كلِ ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ مصلين وصائمينَ وذاكرين ومستغفرين. وقال أبو هارون: دخلت على أبي حازم, فقلت له: -يرحمك الله- ما شكر العينين؟ قال: إذا رأيت بها خيراً ذكرته, وإذا رأيت بها شراً سترته, فقلت: فما شكر الأذنين؟ قال: "إذا سمعت خيراً حفظته, وإذا سمعت بهما شراً نسيته واعلموا ان كفر النعم يزيلها فقد ذكر لنا الله ما أصاب سبأ، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} سبأ: 15-17
قال الفضيل بن عياض-رحمه الله-: ( عليكم بملازمة الشكر على النعم فقلَّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم؟)
